إبراهيم جعفر :
للتواصل مع صفحة الكاتب على الفيسبوك الرجاء إضغط هنا
لعل الاسماء العَلَمية ، وعلى مر العصور ، قد مثلت مدخلاً أساسياً لدراسة سيميائية الهوية للأفراد والمجتمع ، وما ترتب عليها بعد ذلك من مدلولات… ولم يشذ الأدب المحكي أبداً عن ذلك ، حيث تطرق بشقيه (الروائي والقصصي) لمسألة ارتباط الصراع النفسي للشخصية السردية بفلسفة الاسم ، ومن ثم استغلاله لترميز اضرابات الذات.
وهكذا ، فإننا نجد أن أغلب الشخصيات الروائية ، وبمختلف أنواعها ، من تلك التي هي مجرد فنتازيا خيالية ، إلى الأخرى التاريخية الغارقة في الحقيقة ، ومن تلك النمطية الكلاسيكية إلى الغرائبية الخارجة عن المألوف… وبطريقة ما أو بأخرى ، يكون الاسم العلم هو المنفذ لحيواتها وبقاءها.
ولأن الاسم ، يجسد الشق الثابت من تشكيل الهوية الشخصية ، أي ضمن الأشياء التي يرثها المرء ولا دخل له باختيارها.. مع اللون ، والنوع ، والعرق. نجده يساهم كبند مختصر لتصنيف الناس حسب الدين ، اللغة ، المادة ، المعرفة ، التقدم والرقي. وأيضاً لأن الاسم يمكن أن يمثل الشق المتغير من الهوية ، كالألقاب والكنى أو حتى إعادة تسمية ، فإنه يلعب دوراً خفياً في صراع الأنا بين شقي الهوية ، الثابت الذي نود التنكر له ، والمتغير الذي نعتبره الملاذ.
لذلك لم يكن من الغريب على الإطلاق ، أن يفتتح كثير من الروائين وكتاب القصة نصوصهم السردية انطلاقاً من عقدة الاسم.. فنجد مثلاً في رواية (ﺩﻓﺘﺮ ﻣﺎﻳﺎ) ﻟـ ﺇﻳﺰﺍﺑﻴﻞ ﺃﻟﻠﻴﻨﺪﻱ ،شطراً تعريفياً عن ماهية مايا وتداعيات اسمها عليها ، فتنقل لنا الروائية التشيلية من خلاله ، ومنذ الوهلة الأولى ، قلق شخصيتها واضطرابها :
وكذلك بدأ ماريو فرغاس يوسا ، رائعته (حفلة تيس) ، التي تحكي قصة اقتيال الدكتاتور تروخيو ، بنقاش تهكمي لازع ، عن علاقة الاسم بالهوية الجمعية ، وشرح تحت غطاء اسم “أورانيا” ، بحبكة متقنة ، أثر تسمية مدينة “سانتو دومنغو” باسم مدينة “تريخيو” على ساكنيها :
وعلى ذات النهج ، نجد أن الكاتب الكويتي سعود السنعوسي ، الحائز على البوكر ، قد استغل تنوع اسم “عيسى” ، وارتباط لفظته بهويات متعددة و ذوات متناقضة ، فافتتح به روايته (ساق البامبو) :
وأيضاً أمير تاج السر ، في روايته (366) ، استخدم الاسم للدلالة على الهوية ، وهذه المرة بطريقة مغايرة ، فهو لم يذكر اسم شخصيته الرئيسية في أي موضع من جنبات الرواية ، متعمداً طمس الهوية بما يتماشى مع الأحداث ، ومنحه منذ البدء لقباً يحمل هويته الحتمية : [… ﺃﻧﺎ ﺍﻟﻤﺮﺣﻮﻡ، ﻭ ﻟﻴﺲ ﻫﺬﺍ ﺍﺳﻤﻲ ﺑﺎﻟﻄﺒﻊ، ﻭﻟﻜﻨﻪ ﺍﻻﺳﻢ ﺍﻟﺬﻱ ﺍﻗﺘﺮﺣﺘﻪ ﺍﻟﻤﺤﻨﺔ ﺣﻴﻦ ﺍﻗﺘﺮﺑﺖ ﻣﻦ ﺍﻟﻨﻬﺎﻳﺔ ، ﻭﺍﺭﺗﺪﻳﺘﻪ ﻋﻦ ﻗﻨﺎﻋﺔ].
وفي مجال القصة القصيرة ، نجد أن عقدة الاسم طرحت بكثرة ، فغارسيا ماركيز في قصة (أجمل غريق في العالم) ، تعدى بسرده الحوار الدائر بين النسوة ، إلى مسألة تقيم الناس عبر أشكالهم.. فاسم إستيبان و لوتارو ، هي تقسيمات طبقية بين البؤس والرغد :
يوسف زيدان ، الذي كتب قصته القصيرة الأولى قبل أسابيع فقط ، وعنونها بـ (موعود) ، ونشرها في جريدة الوطن المصرية ، تعد الأخرى أنموذجاً استطاع من خلاله الدكتور توصيل ما اراد قوله مستخدماً صراع اﻷنا مع الاسم ، وعرج من خلال “موعود” ، على كل التقلبات في الساحة المصرية :
[ليلة ميلادى العسير …، غنَّى العندليبُ البشرى الأغنية السخيفة العجيبة «موعود»، وكان أبى مبسوطاً فى محل عمِّ جمعة الخياط ،…، ليلتها، حسبما أخبرتنى أمى من بعد، جاءه بالبُشرى الولدُ النحيل ابن «عبدالمكوجى» ،…، جدتى أرسلته ليُفرح أبى وأصحابه ويبهجه بخبر مولدى، لأننى ولدٌ، ولأنه كان يرتعد ككل آبائنا من أن تلد امرأته البائسة بنتاً تصير أكثر بؤساً.. ابتهج الأبُ الغارق فى سحابات الدُّخَان، وصاح وسط الحاضرين: خلاص، نسميه موعود!].
نعم ، وكما يقول الفرنسي شارل داتزيك ، كاتب رواية (ﺃﺩﻋﻰ ﻓﺮﺍﻧﺴﻮ) : “قد لا توجد شروط بعينها تحتم على الكاتب تسمية الشخوص في النص السردي ، لكن كم سيكون من الجميل لو أن كل كاتب اختلق قصة ما وراء شخصياته”.
تعليقات الفيسبوك