موافي يوسف:
للتواصل مع صفحة الكاتب على الفيسبوك الرجاء إضغط هنا
**
وحدُكْ ، كَسَاقِطٍ لِلتَّوِ من كَوكَبٍ آخَر..قلتُ دُلوني على مكان ..
أشارَ عجُوز تِسْعِيني إلى كَهفٍ غائِرٍ بين شُجَيراتٍ كثيفات ..عند مَدخَلِ الكَهْف وجدتُ سِحليةً مُستلقية وقتَ القَيلُولة ، ودون أن تنهض فزِعة مني الغريب ، رفعت رأسها قليلاً وفتحت عينيها بتكاسُل ، رمقتني بنظرةٍ بارِدة ماسِخه وعادت برأسها حيث كان واستعادت نومتها ..
أحسُدها على هذه العُزلة واللا إكتراثية !
داخل الكهف الرَّطِب صادفتُ جُرذاً يطبخ غداءَه على وعاءٍ في حجمِ غطاء قارورةٍ صغير ، يخبِطُ بالقشة التي يستخدمها كـ”كُمشه” على يده ويتذوق بلسانٍ صغير وجبته الساخنة ما إن كانت تحتاجُ إلى الملح .
“نحن أيضاً نحتاجُ إلى الملح في روحنا”
قلت أخاطِبُه بتلك العبارة ، لكن إما أنه لم يفهم لُغتي وإما أنه لا يُبالي .. لكنه لم يكترِث ، حين صوَّبَ نحوي نظرة خافِتة خالِيه من أيِّ انفعال .. !
خُطوة خُطوتين ، سمعتُ حشرةً في جُحرٍ ما تعزف بحنجرتها موسيقى محايدة ، لا بالحزائِنيَّة ولا بالفرائِحيَّة ، مُوسيقى حِياديه فحسب ، تماماً كطعمِ الهواءِ والحياةِ داخل مغارة الكهف ..
وأنا أبحثُ عن مكانٍ بين الأوراق الكثيف والعتمة الطفيفة ، أستلقي فيه ، إذ تقافزَ إلى جواري ضِفدع مَرِح ، توقف وصاح :
– “مرحباً ! أراك لأول مرة” .
إنعقدَ لساني عن الكلام !
أومأت بما يعني “آه صحيح”
كان يلبسُ نظارةً سميكة لا تُناسب جسده الشاب المصقُول ذو اللون الطُحلُبِي المُرَقَّع بمهارةٍ ربانية بثقوبٍ سوداء متناسقة ، يبدو أنه يعتني بنفسه ولا يرتاد البرك الآسنة ..
– “من أخبرك عن هذا المكان؟”
كان يسأل بثقةٍ ووضوحٍ تُشعِرك بأنه أقرب لأن يكون أستاذ جامعي لا مجرد ضِفدعٍ مُتقافِز !
– “عجوز ، عجوز تِسعِيني إلتقيتُه في طريقي” .
قلتُ بعد أن زال مني التوتر والقَشعريرة التي سَرَت في كل خليةٍ من جسدي لحظة مخاطبته لي ..
– “آه ، العجوز المسكين “
– “تعرفه ؟”
– “طبعاً” !
رد بثقةٍ ولَبَاقَةٍ ما زالت تُحيرني ..
– “كان يعيش هُنا منذُ سبعين خريفاً”
– “أهااا ، ما يعني أنك عاشرته سبعين خريفاً . ولكن هل يعيش الضفدع حقاً سبعين خريفاً ؟”
كاد أن يقول “لا تكن غبياً” لكن أحسستُ بأنه قد إبتلعَ العبارة لأنني لَحَظتُ شيئاً يتدحرج عبر حلقُومِهِ الرفيع ، إنها ذاتها العبارة لا شك . قال :
– “لا طبعاً ، سمعنا عنه حكايات كثيرة من أسلافِنا ، حكايات تَخُصُّه هو ، وأُخرى تخص عالمه الغريب الذي جاء منه ” .
أومأت برأسي مقطباً
– “أستميحك عذراً ، لدي الرغبة في بعض التنزه ، أَحُسُّ بأني في حوجةٍ لبعض الانتعاش” ..
قال هذا وتقافز مبتعداً في خفةٍ ومرح . قلت بصوتٍ عالٍ :
– “لكن قل لي، لماذا ، وبعد كل هذه السنين الطِّوال ، خرج العجوز من عزلته هنا معكم ؟؟”
توقف بعد قفزةٍ طويلةٍ ورشيقةٍ والتفت نحوي ، كانت نظارته السميكة تعكِسُ شُعاعَ شَمسٍ سقطَ عليها بينما هو يصيح حتى أتمكَّن من سماعه جيداً :
– “قال بأنه قد راوده الفضول مُؤخراً في أن يرى ما إن كانت الحياة قد اعتدلت ، وإلا عاد وأمضى هنا ما تبقى من خريفِه” .
– “أهاااا . شُكراً لك”
ثم تقافز مُجدداً
انتابني شُعُور أن هذا الضفدع بنظَّارته السَّميكة وحديثِه المُنَمَّق لا بد من أن يكون واعٍ ومثقفٍ على نحوٍ ما ، ويحتفِظُ بمكتبة صغيرة في مخبئِه ، كادت أن تخرُج صَيحة مني مُحاوِلاً استيقافه مجدداً وسؤاله :
– “أيها الضِّفدَع المُحترم ، أنا آسِف حقاً ، لكن ، هل أجِدُ عندك روايةَ الفَناءِ الملعُون لإيفواندُرِيتش ؟ أو أياً من الكتب ؟؟”
لكني استدركتُ الموقِف ، فخشيت أن لن يبتلع العِبارة هذه المرة وهو يصيح من باب المغارة :
“ماذا ؟ هل أنت غبي ؟؟”
أخيراً وجدت مَرقَداً رَطِباً ورميتُ بِجُثتي فيه ، ظَلَلتُ لِبُرهةٍ مُحَدّقاً في السَقفِ شِبه المُعتَم ، كانت ثمة خفافيش مُتحلِّقة حول طاوِلَةٍ يُنَسْنِسُونَ في موضوعٍ ما ، ربما كان مُغادرةَ العجُوز وقُدُومَ الغريب أنا ، بينما يَحتسون أثناء ذلك القهوة ذلك بعد أن سقطَت قطرة منها على وجهي ، كانت حامِضةً قليلاً ..
أغمضتُ عَينيَّ ، لكن زكَمَتْ مَناخِيري رائحة نفَّاذة ، إلتفتُّ ناحِيتَها ، كان ثمة ضَبْ مُستلقٍ على جُحرٍ بالجدار قربي، بالكادِ يستوعبه وحدُه ، يَعقُفُ رِجلاً فوقَ أخرى ويُدَخِّنُ سِيجارةً وينفُثُ دُخَانها بتلذُّذ ، أثارَ ذلك حَفِيظتي وكِدتُ أرميه بحجر ، لكن تذكرتُ بأنني الضَّيفُ هُنا ، وهم مستكينون في عُزلتِهِم الصَّاخِبَةِ بالهُدُوء …
تعليقات الفيسبوك
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
مَقتلُ ناوكا
(1) الجثةُ مسجيةً على الكرسي، مُمدِّدةٌ أطرافَها، باردةٌ وقد بدَت بعض التورُّماتِ الطّ…
Wonderful beat ! I would like to apprentice even as you amend your web site, how could i subscribe for a weblog site? The account aided me a appropriate deal. I have been tiny bit familiar of this your broadcast offered brilliant clear concept
the time to read or visit the subject material or web sites we’ve linked to beneath the
++very attractive brazilian body wav https://www.youtube.com/watch?v=T6hp4Ndf7vU, perfectly {crafted|designed|created|constructed|made|