تغريد علي :
للتواصل مع صفحة الكاتبة على الفيسبوك الرجاء إضغط هنا
**
كانت آنابيل تعيش حياتها باعتيادية و روتين مدروس بدقة ، لا شيء يتغير على الإطلاق، فالشمس تشرق كل يوم في ذات التوقيت ، ترتدي ثيابها الرسمية و تستقل الحافلة لتوصلها إلى المحطة التي تقع المدرسة الثانوية بها ، هي معلمة متوسطة الطول و العمر ببشرة مائلة للسمرة ، لا تدخن ولا تتعاطى الكحول ، كما أنها لا تجيد الرقص و غير اجتماعية .
تعيش بهدوء في منزلها البسيط لوحدها منذ أحد عشر عامآ ، مذ توفيت جدتها ، و كذلك كلبتها “باميلا” التي توفيت منذ شهرين فدفنتها دون جلبة عند شجرة الجميز في الفناء ..
الطلاب لا يكنون لها المحبة ، لكنهم يظنون أنها طيبة لذا يحترمونها ، لكنها ليست ذاك النوع الذي يفضلونه على الإطلاق .
لم تفكر في الزواج بعد أن تخلى عنها خطيبها قبل موعد زفافهم بيومين . و لم تسمح لأحد بالاقتراب منها بعد تلك الحادثة ، تمضي المساء في متابعة نشرة الأخبار ، ثم تطهو طبقآ للعشاء تتناوله وحيدة بينما تراقب الظلام و الأضواء الخافتة البعيدة من وراء النافذة
تحمل كتب ضخمة في العادة إلى فراشها ، و تنام مرتدية نظارتها الطبية و هي تحتضن إحدى صفحاته المملة .
لم تكن حياة جميلة على أية حال ، لكنها هادئة و مسالمة و مقبولة بالنسبة لامرأة في مثل شخصيتها المنضبطة المنطوية ،إلى أن جاء أحد مساءات ديسمبر الباردة ..وغير حياتها !
وضعت كوب القهوة على المنضدة المقابلة لها و أخفضت صوت التلفاز ، لتستقبل مكالمة و هي التي لا تستقبل سوى مكالمات نادرة من بعض أقربائها من الدرجة الثانية للاطمئنان عليها ، أو للمعايدة في الأعياد و بعض المكالمات من أولياء الأمور يسألون عن بعض تصرفات أبنائهم و إن كانوا غريبي الأطوار أو غير ملتزمين بحضور الحصص و ما إلى ذلك من الأسئلة القلقة .
نظرت نظرة خاطفة نحو ساعة الحائط ، إنها الثامنة مساء .. تناولت هاتفها و كان الرقم المتصل غريباً بعض الشيء (+9) فقط .
ردت ببعض الريبة ، ثم جاءها الصوت من الطرف الآخر مجافياً لكل توقعاتها ..ما جعلها تلقي الهاتف من يدها و تصرخ صرخات متتابعة ، دون أن يأتي أحد لينقذها !
كان الصوت عبارة عن أصوات عالية – حادة .. صراخ مريع كأن أحد ما يخضع لتعذيب رهيب .
سقطت على الأرض و هي تدفع الهاتف بعيداً عنها بأطراف قدميها ، و مكبر الصوت يعمل تلقائياً لوحده حاملاً تلك الأصوات المخيفة ليجلجل صداها في فضاء وحدتها !
في اللحظة التي سمعت بها طرقاً على الباب فنهضت تركض حافية لتفتح الباب للطارق أيما كان هو ، صمت صوت الهاتف ، فتحت و دون أن تتبين من هو الطارق ألقت بنفسها في حضنه و هي ترتعد باكية .
ضمها بلطف محاولاً تهدئتها دون أن يسألها ما الأمر ..
إلى أن هدأت بعض الشيء رفعت رأسها لتنظر إليه ، كان أحد جيرانها و الذي يعمل سائقاً في أحد المتاجر الكبيرة بالمدينة ، ابتعدت عنه خطوة و هي تمسح دموعها و ترتب بيدين مرتجفتين شعرها المبعثر معتذرة بصوت مبحوح من شدة صراخها .
ابتسم قائلاً لها : لا عليك ..
ثم قادها من يدها إلى الأريكة التي تتوسط الصالة و جلس بقربها ، سألها بصوت خافت و اهتمام جاد : ما الأمر ؟
أخذت تتمتم و تشير بيدها للهاتف .. فسألها : هل تلقيت أخبار سيئة عبر الهاتف ؟
قالت بصوت مختنق : كان الأمر رهيباً .. ثم بدأت تشرح ما حدث .
نهض و التقط الهاتف و بدأ بمراجعة سجل المكالمات .. و لم تكن هناك مكالمة واردة بالرقم الذي أشارت إليه في قصتها ، لم يخبرها بذلك .. و إنما ظن أنها ربما أفرطت بالشرب رغم أنها لا تبدو مخمورة ، أو ربما تعاني من مشكلة نفسية .
قال لها بلهجة مهذبة : دعيني أساعدك لتخلدي إلى فراشك .. و سوف لن يزعجك هذا الرقم مرة ثانية .
كانت خائرة القوى ما جعله يحملها كطفلة في الثالثة من عمرها و وضعها على فراشها ، ناولها كوب ماء و قرص بنادول و قام بتغطيتها ، ثم قال لها : أرجو أن تنامي بهدوء ، أما أنا سأنصرف .
كانت تود أن ترجوه ليبقى لكن عقلها كان قد بدأ يستوعب ما حدث ، و وجدت أنه ليس من اللائق أن تطلب منه هكذا طلب ، و بما أنه قرأ فيما يبدو مخاوفها ، استخرج ورقة صغيرة من نوتته و قلم من جيبه و كتب لها رقم هاتفه .
وضعها بالقرب منها ، و قال مبتسماً : أنا أبقى مستيقظاً عادة لساعة متأخرة من الليل .. في حال حدث أي شيء يمكنك مهاتفتي .
شكرته بامتنان ..
خرج و أوصد الباب خلفه بهدوء .
( يتبع )
تعليقات الفيسبوك
يجب أنت تكون مسجل الدخول لتضيف تعليقاً.
I have been working to “get off” sugar for 2 months now with varying degrees of success. Some weeks I am amazing and feel great without cravings. Then BAM! the cravings start and I am a crazy person. I was shocked to really see all the sugar my family was eating. And I really considered myself a healthy eater.
I have been absent for a while, but now I remember why I used to love this website. Thank you, I will try and check back more often. How frequently you update your website?
Rob Schneider is co-author of The Curse of the Internet.